فصول من حياة الإمام ورش
الْوَرْشُ كَلِمَةٌ فِي الْلُغَةِ الْعَرَبِيَةِ تُطْلَقُ عَلَى شَيْءٍ يُصْنَعُ مِنَ الْلَبَنِ شَدِيدِ البَيَاض
وَالْوَرْشَانُ طَائِرٌ جَمِيلٌ مِنْ فَصِيلَةِ الْحَمَامِ، رِيشُهُ مُتَعَدِدُ الْأَلْوَانِ وَرِجْلُهُ قَصِيرَة
فَمَا عَلَاقَةُ كُلِّ هَذَا بِشَيْخِ إِقْرَاءِ القُرْآنِ فِي مِصْرَ فِي القَرْنِ الثَّانِي الْهِجْرِيِّ (وَرْشْ)؟
إِلَيْكُمُ الْقِصَه
وُلِدَ الْإِمَامُ وَرْشٌ فِي مِصْرَ سَنَةَ مِائَةٍ وَعَشرٍ هِجْرِيًا،
وَعَاشَ بِهَا، وِكَانَ يَعْمَلُ فِي بَيْعِ رُءُوسِ الْغَنَمِ حَتَى
لُقِّبَ بِالرَّوَاسِ.
ثُمَّ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ فَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَكَانَ حَسَنَ
الصَّوْتِ فَيهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقْنَعْ بِهَذَا، وَتَاقَتْ نَفْسُهُ
لِأَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى مَنْ قَرَأَ عَلَى التَّابِعِين؛
وَالتَّابِعُونَ هُمْ مَنْ صَاحَبُوا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ
فَتَصَوَرْ !!
أَنْ يَتَصِلَ سَنَدُ قِرَاءَتِهِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهٌ عليهِ وَسَلَّم.
أَيَصْبِرْ!
قَرَّرَ الْسَّفَرَ إِلَى مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَِ وَعُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً،
فَلَمْ يُقْعِدْهُ هَذَا عَنِ السَّعْيِّ وَالطَّلَبِ.
وَصَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَسْأَلَ عَنِ الإِمَامِ نَافِعِ،
وَالْإِمامُ نَافِعٌ كَانَ مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى " عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزٍالْأَعْرَجِ " وَالْأَعْرَجُ قَرَأَ عَلَى أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَأُبَيٌّ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَى
اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم.
أَنْ تَتَعَلَّمَ قِرَاءَةِ القُرْآنَ كَمَا قَرَأَهَا
النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عليهِ وَسَلَّم، أَلَا يَسْتَحِّقُّ هَذَا
التَّضْحِيَةَ بِتَعَبِ السَّفَرِ وَالْغُرْبَه؟
لَكِن لَمْ يَكُنْ تَحْقِيقُ هَذَا الْأَمْرِ سَهْلًا - فِي الْبِدَايَةِ - بِالْنِّسْبَةِ لِوَرْشْ
إِذْ وَصَلَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ تَحَلُّقِ أَهَلَ الْمَدِينَةِ حَوْلَ الْإِمَامِ نَافِعْ
فَجَلَسَ فِي آخِرِ الْحَلَقَةِ يُحَاوِلُ أَنْ يَصِلَ بِبَصَرِهِ
لِلْإِمَامِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ مِنَ المُسْتَحِيلِ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ
مَهْمَا فَعَلَ إِلَّا أَن يَبْحَثَ عَنْ طَرِيقًةٍ أُخْرَى
فَسَأَلَ أَحَدَ الْجَالِسِينَ عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَى الْإِمَامِ نَافِعٍ فَدلَّهُ عَلَى كَبِيرِ الْجَعْفَرِيينَ، فَسَأَلَهُ وَرْشْ: وَكَيْفَ أَصِلُ إِلَيْهِ؟
فَأَكْرَمَهُ الْرَّجُلُ بِعَرْضِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ هُوَ إِلَيْه،
وَبِالْفِعْلِ قَابَلَ وَرْشٌ كَبِيرَ الْجَعْفَرِيين، وَأَخْبَرَهُ
أَنَّهُ غَرِيبٌ عَنِ اْلمَدِينَةِ وَجَاءَ مِنْ سَفَرٍ يَطْلُبُ قِرَاءَةَ
الْقُرْآنِ عَلَى الْإِمَامِ نَافِعٍ وَلَمْ يَجِدْ سَبِيلًا لِلْوُصُولِ
إِلَيْه.
فَأَخَذَهُ كَبِيرُ الْجَعْفَرِيِينَ إِلَى نَافِعٍ، وَشَفَعَ لَهُ
عِنْدَه، وَقَالَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِلْمَدِينَةِ لِأَيِّ حَاجَةٍ،
إِلَّا أَن يَقْرَأَ عَلَيْك.
فَتَحَيَّرَ الْإِمَامُ نَافِعٍ فِيمَا يَصْنَع، فَأَحْفَادُ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم، يَجْتَمِعُونَ حَوْلَ الْإِمَامِ نَافِعٍ يُرِيدُونَ
اْلِقرَاءَةَ، فَكَيْفَ سَيُقدِّمُ اْلغَرِيبَ عَلَيْهِمْ؟
ثُمَّ فَكَّرَ فِي الْأَمْرِ وَسَأَلَ وَرْشًا هَلْ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَبِيتَ فِي الْمَسْجِد؟
فَقَالَ وَرْشٌ: نَعَمْ.
وَفِي فَجْرِ الْيَوْمِ التَّالِي
ذَهَبَ نَافِعٌ إِلَى الْمَسْجِدِ لِلْصََّلاةِ وَسَأَلَ عَنِ الْغـَرِيبْ؟
فَقَالَ وَرْش: هَا أَنَا رَحِمَكَ الله.
فَقَالَ أَنْتَ أَوْلَى بِالْقِرَاءَه، لِمَا وَجَدَ مِنْ حِرْصِهِ
وَكَانَ كُلُّ طَاِلبٍ يَقْرَأُ عَلَى الْإِمَامِ ثَلَاثِينَ آيةً فَقَطْ، فَبَدَأَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمِصْرِيُّ
الْقِرَاءَةَ، وَهَذَا هُوَ الْاسْمُ الْحَقِيقِيُّ لِوَرْش، وَكَانَ
حَسَنَ الصَّوْتِ فَمَلأَ صَوْتُهُ الْمَسْجِدَ، حَتَّى خَتَمَ
الثَّلَاثِينَ آيةً فَقَالَ لَهُ الْإَمَامُ نَافِعٌ حَسْبُكْ.
ثُمَّ حَصَلَتِ الْمُفَاجَأةُ إِذْ قَامَ أَحَدُ الْطُّلًابِ لِيَسْتَأْذِنَ الْإِمَامَ نَافِعَ وَيَقُول:
أَعَزَّكَ الله، هَذَا رَجُلٌ غَرِيبٌ وَنَحْنُ مَعَكْ، فَأَنَا أُعْطَيهِ
مِنْ حِصَّتِي عَشْرَ آيَاتٍ يَقْرُؤُهَا، وَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكَ
عِشْرِينَ آيَةٍ فَقَطْ.
ثُمَّ قَامَ طالبٌ آخَرٌ فَفَعَلَ مِثْلَه.
فَكَانَ وَرْشٌ يَقْرَأُ خَمْسِينَ آيَة، وَأَكْثَرُ طُلَابِ نَافِعٍ إِنَّمَا يَقْرَؤُونَ ثَلَاثِينَ فَقَطْ.
وَظَلَّ يَقْرَأُ عَلِى اْلِإمَامِ نَافِعٍ حَتَّى خَتَمَ الْقُرْآنَ أَرْبَعَ مَرَات.
وَكَانَ كُلَّمَا قَرَأَ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ نَافِعٌ اقْرَأْ يَاوَرْشَانْ، اقْرَأْ يَاوَرْشَان.
ذَلِكَ أَنَّ وَرْشَ كَانَ أَشْقَرَ أَبْيَض، فَقِيلَ أَنَّهُ سُمِّيَ
بِذَلِكَ مِنْ بَيَاضِ الْوَرْشِ الّذِي يُصْنَعُ مِنَ الْلَبَن،
وَقِيلَ بَلْ نِسْبَةً إِلَى طَائِرِ الْوَرْشَانِ، لِأَنَّ وَرْشَ كَانَ
قَصِيرًا وَيَلْبَسُ ثِيَابًا قَصِيرَه، فَتَتَعَدَّدُ الْأَلْوَانُ فِي
هَيْئَتِه، فَلَقَّبَهُ شَيْخُهُ بِذَلِك
وَكَانَ هَذَا الْلَقبُ أَحَبَّ الْأَلْقَابِ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ (وَرْشْ)، فَكَانَ يَقُولُ سَمَّانِي شَيْخِي بِه،
فَلَا زَالَ يُعْرَفُ بِهِ حَتَى يَوْمِنَا هَذَا.
وَعَادَ وَرْشٌ إِلَى مِصْرَ لِيُعَلِّمَ النَّاس، وَأَطَالَ اللهُ فِي
عُمُرِهَ لِيَعِيشَ بَعْدَ عَوْدَتِه اثنَيْ وَثَلاثينَ سنةً، وَرَحَلَ
إِلَيْهِ طُلَابُ الْقُرْآنِ مِنْ شَتَّى البِلادِ يَقْرَؤُونَ عَلَيْهِ،
فَنَفَعَ اللهُ بِهِ الْأُمَّةَ وَبَارَكَ فِي عُمُرِهِ وَعِلْمِهِ
وَعَمَلِهِ، وَخَلَّدَ ذِكْرَهُ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا.
صَدَقَ اللهَ فِي طَلَبِهُ لِلقُرآنِ فَصَدَقَه، فَسُبْحَانَ الله،
وَحْدَهُمُ الصَّادِقُونَ مَنْ يُمْكِنَهُمُ التَّرَقِيَ إِلَى
الْعَلْيَاء.
كُنْ صَادِقًا وَنَضْمَنُ لَكَ الْوُصُول، بَلْ يَضْمَنُهُ لَكَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَال: (إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكْ) رواه النسائي وصححه الألباني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفئة المستهدفة: الأطفال، وعموم الناس.
المقصد الرئيس من الرسالة: الحث على الإقبال على تعلم القرآن مهما كانت
العوائق، والحث على الصدق في تعلمه وتعليمه، وبيان كيف يرفع الله بهذا
القرآن عباده المخلصين.
- في أثناء الرسالة عرض لفكرة تلقي القرآن بالإسناد وهي مقصودة
- لي عودة للتنسيق وإضافة المراجع بإذن الله.
التعليقات ()